سورة الواقعة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


تُمنون: تقذِفون المني في الارحام. قدَّرنا: وقَّتنا موت كل احد بوقت. نبدّل أمثالكم: نميتكم، ونأتي بقوم آخرين أشباهكم. النشْأة الأولى: الخلقة الأولى. فلولا تذكّرون: فهلا تتذكرون. حطاما: هشيماً متكسرا. تفكّهون: تتعجبون. مغرمون: معذبون مهلكون. المُزن: السحاب واحدته مزنة. أُجاجاً: مالحاً لا يصلح للشرب. فلولا تشكرون: فهلاّ تشكرون. تورون: توقِدون. تذكرة: تذكيرا موعظة. متاعا: منفعة. للمقْوين: للفقراء الذين ينزلون بالقفر، أقوى الرجلُ: افتقر، ونزل بالقفر، ونفد طعامه. ويقال للمسافرين والمستمتعين: المقوون أيضا.
بعد أن بين الله تعالى لنا الأزواج الثلاثة، ومآل كل منهم ذكَرَ هنا الأدلّةَ على الألوهية من خلْقٍ وزرق للخلق، وأقام الدليلَ على البعث والجزاء، وأثبتَ النبوةَ، فقال:
نحنُ خَلقناكم من عَدَمٍ، فهلاّ تصدّقون وتقرّون بقدرتنا على إعادتكم ثانية يوم القيامة!؟.
أفرأيتم هذا المَنِيَّ الذي تقذِفونه في الأرحام، أأنتم تخلُقونه وتجعلونه بَشَراً بهذه الصورة {أَم نَحْنُ الخالقون}!؟.
نحن قضَيْنا بينكم بالموت، وجعلْنا لِموتكم وقتاً معيّناً، وما نحنُ بمسبوقين ولا عاجزين عن ان نُذْهِبكم ونأتيَ بأشباهكم من الخلق، {وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} في الأطوار والأحوال.
ثم ذكر دليلاً آخر على البعث فقال: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ}
لقد علمتم أن الله أنشأكم النشأةَ الأولى من العَدَم، فهلاّ تتذكّرون انّ مَن قَدَرَ على خلْقكم من البداية لهو أقدَر على أن يأتيَ النشأةَ الأخرى لكم!
أفرأيتم ما تبذُرونه من الحَبّ في الأرض، أأنتم تُنبتونه أم نحنُ نفعل ذلك! ان في قُدرَتنا لو نشاء لصيَّرنا هذا النباتَ هشيماً يابساً متكسرا.
{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}
لظللتم تتعجّبون من سوءِ ما أصابه وما نزل بكم، وتقولون إنا لمعذَّبون، لا بل نحنُ محرومون من الخيرِ والرِزق لِنحسِ طالعنا وسوءِ حظنا.
أفرأيتم الماءَ العذبَ الذي تشربونه والذي هو أصلُ الحياة، أأنتم أنزلتموه من السحاب ام نحن المنزلون له رحمةً بكم؟
وهذا من اكبر الادلة على قدرة الاله وعظمته، فقد حاول الإنسان استمطار السّحُب صناعياً إلا ان هذه المحاولاتِ لا تزال مجردَ تجاربَ، وعلى نطاق ضيق جدا، مع وجوب توافر بعض الظروف الملائكة طبيعيا.
إننا لو نشاءُ لجعلْنا هذا الماءَ العذبَ مالحاً لا يمكن شربه، فهلاّ تشكرون الله على هذه النعمة وعلى أن جعله عذباً سائغا!؟.
أفرأيتم النارَ التي توقدونها، أأنتم أنبتُّم شجرتها وأودَعتم فيها النار، أم نحن المنشئون لها؟ والنارُ نعمة كالماء، وعندما عرف الإنسان كيف يستعمل النارَ كان ذلك في حياته خطوةً كبيرة إلى التقدم، وبدْء الحضارة الانسانية.
نحن جعلنا هذه النار تذكرةً وتبصِرة لكم تذكّركم بالبعث لتعلموا أن من أخرجَ من الشجر الأخضر ناراً قادرٌ على إعادة الحياة مرة أخرى. ولقد جعلنا في النار منفعةً لمن ينزلون في المفاوز والصحارى من المسافرين، ولمن يحتاج إليها في كل مكان.. فاذكروا ذلك واعتبروا منه.
فسبّح باسم ربك العظيم أيها الرسول على هذه النعم الجليلة التي لا تُعد ولا تحصى.
قراءات:
قرأ ابن كثير: {نحن قدَرنا} بينكم الموت، بفتح الدال من غير تشديد. والباقون: {قدرنا} بالتشديد. وقرأ أبو بكر: {أإنا لمغرمون} على الاستفهام. والباقون: {إنا لمغرمون} على الخبر.


فلا أقسم: هذا قسَم تستعمله العرب في كلامها، ولا للتأكيد. مواقع النجوم: مَداراتها ومراكزها. مكنون: مصون. المطهَّرون: المنزّهون عن الأدناس. مدهنون: متهاونون، مخادعون. الحُلقوم: مجرى الطعام. غير مدينين: غير محاسَبين. فروح: راحة الجسم. ريحان: راحة الروح. تصلية جحيم: ادخال النار. حق اليقين: هو بمعنى اليقين الحق، وهو اليقين المطابق للواقع.
بعد ذِكر الأدلة على الألوهية والخلْق والبعث والجزاء جاء بذِكر الأدلة على النبوة وصدق القرآن الكريم. وقد أقسم الله تعالى على هذا بما يشاهدونه من مواقع النجوم، وإن هذا القسَم لعظيم حقا، لأن هذا الكون وما فيه شيء كبير لا نعلم عنه الا القليل القليل. ويقول الفلكيون: إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، ومنها ما لا يرى الا بالمكبّرات، وقد يكون اكبر من شمسنا بآلاف المرات ولكننا لبعده الشاسع لا نراه. وهي تسبح في هذا الفلك الواسع الذي لا نعلم عنه شيئا. والبحث في هذا واسع جدا، ولذلك فان هذا القسَم عظيم حقا.
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
هو قرآن جامع لكل المحامد، وفيه الخير والسعادة لبني الإنسان اجمعين.
{فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ}
وهو مصون في اللوح المحفوظ، لا يمسّ هذا اللوح ولا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.
لقد فسر بعضُهم هذه الآية بأنه لا يَمَسُّ القرآن من كان مُحْدِثا، واختلف العلماء في ذلك، فقال جمهور العلماء لا يجوز ان يمسّ احدٌ القرآن الا إذا كان متطهّرا، وقال عدد من العلماء بالجواز.
{تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين}
ان هذا القرآن نزله الله على سيدنا محمد خات مالأنبياء والمرسلين.
وبعد أن ذكر مزاياه، وانه من لدن عليم خبير ذكر انه لا ينبغي التهاون في أوامره ونواهيه، ويجب التمسك به فقال: {أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ}.
اتتهاونون بالقرآن وتُعرضون عنه، وتمالئون من بتكلّم فيه بما لا يليق به، وتكذّبون ما يقصه عليكم من شأن الآخرة، وما يقرره لكم من امور العقيدة! أتجعلون بدل الشكر على رِزقكم انكم تكذّبونه، فتضعون الكذب مكان الشكر!
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ}.
فماذا انتم فاعلون إذا بلغت روحُ أحدكم الحلقوم في حال النزاع عند الموت، وانتم حوله تنظرون اليه، ونحن بالواقع أقربُ اليه وأعلمُ بحاله منكم، ولكن لا تدركون ذلك ولا تبصرون.
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
فلو كان الأمر كما تقولون: إنه لا بعثٌ ولا حسابٌ ولا جزاء، وأنكم غيرُ مدينين لا تحاسَبون ولا تجزون- هلاّ تُرجعون النفسَ التي بلغتِ الحلقومَ إلى مكانها، وتردون الموت عمن يُحتضر امامكم!.
ثم بين الله تعالى ان حال بعد الوفاة ثلاثة اصناف فقال:
1- {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ}.
فأما ان كان المتوفَّى من الذين عملوا صالحاً وكان من المقربين السابقين فمآلُه راحةٌ واطمئنان لنفسه، ورحمةٌ من الله ورزقٌ طيب في جنات النعيم.
1- وأما إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، فيقال له تحيةً وتكريما: سلامٌ لك من إخوانك اصحابِ اليمين.
3- واما ان كان من المكذِّبين الذين كذّبوا الرسول والقرآن الكريم، الضالِّين سواءَ السبيل- فله مكانٌ في جهنم يُسقَى من ماءٍ شديد الحرارة، ومآله دخول الجحيم.
{إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم}.
ان هذا الذي ذُكر في هذه السورة الكريمة لهو الحقُّ الصادق الثابت الذي لا شكَّ فيه فسبِّح ايها الرسول بذِكر اسم ربّك العظيم تنزيهاً له وشكرا على آلائه.

1 | 2